فصل: الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْحَيَوَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْوَسِيلَة الثَّالثة: تَمْيِيزُ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِهِ:

وَالْعَالَمُ إِمَّا جَمَادٌ أَوْ نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَوَّلَانِ طَاهِرَانِ إِلَّا الْمُسْكِرَاتِ لِلْإِسْكَارِ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةُ الْإِبْعَادِ وَالْقَوْلُ بِتَنْجِيسِهَا يُفْضِي إِلَى إِبْعَادِهَا وَالْمُفْضِي إِلَى الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبٌ وَالْحَيَوَانُ فِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ الْأَوَّلُ فِي أَقْسَامِهِ وَالثَّانِي فِي أَجْزَائِهِ وَالثَّالِثُ فِيمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَالرَّابِعُ فِيمَا يُلَابِسُهُ.

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أقسامه وَهِي خَمْسَة:

الأول:
وَفِي الْجَوَاهِرِ الْحَيُّ كُلُّهُ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالدَّوَرَانِ فِي الْأَنْعَام فَإِنَّهَا حَال حَيَاتهَا حَيَّة ظَاهِرَة وَحَالَ مَوْتِهَا لَيْسَتْ حَيَّةً وَلَا طَاهِرَةً وَالدَّوَرَانُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ الْمَدَارُ الدَّائِرُ فَيَلْحَقُ بِهِ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ قِيلَ الْأَنْعَامُ الْمُذَكَّاةُ طَاهِرَةٌ فَبَطَلَ الدَّوَرَانُ قُلْنَا عِلَلُ الشَّرْعِ تَخْلُفُ بَعْضَهَا وَالذَّكَاةَ عِلَّةٌ مُطَهِّرَةٌ إِجْمَاعًا.
الثَّانِي:
قَالَ الْمَيْتَةُ حَتْفَ أَنْفِهَا كُلُّهَا نَجِسَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ إِلَّا مَيْتَةَ الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُوَطَّأِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَالْحِلُّ دَلِيلُ الطَّهَارَةِ.
الثَّالِثُ:
قَالَ مَيْتَةُ مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ طَاهِرَةٌ لِعَدَمِ الدَّمِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الِاسْتِقْذَارِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْبُخَارِيِّ «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ» وَلَوْ كَانَ يَنَجَسُ بِالْمَوْتِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ مَوْتُهُ لَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنَجَسُ لِأَنَّ الْمَوْتَ عِنْدَهُمَا عِلَّةُ التَّنْجِيسِ دُونَ احْتِقَانِ الدَّمِ لِقِلَّتِهِ وَوَافَقْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَنْعَامَ إِذَا قُطِعَتْ مِنْ أَوْسَاطِهَا وَخَرَجَتْ دِمَاؤُهَا أَنَّهَا نَجِسَتْ بِالْمَوْتِ مَعَ انْتِفَاءِ الدَّمِ فَإِذَا اسْتَدْلَلْنَا نَحْنُ بِالذَّكَاةِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وجوابنا عَنْهُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُسَلِّطْنَا عَلَى الْحَيَوَانِ إِلَّا بِشَرْطِ انْتِفَاعِنَا بِهِ وَأَنْ نَسْلُكَ أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ وَأَقْرَبُ الطُّرُقِ هُوَ الذَّكَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ لَمْ يُرَتِّبِ الشَّرْعُ عَلَى فِعْلِهِ أَثَرًا فَسَوَّى بَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ الَّتِي احْتَقَنَتْ فِيهَا الْفَضَلَاتُ زَجْرًا لَهُ.
فَرْعَانِ:
الْأَوَّلُ: لِلْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ أَلْحَقَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْبُرْغُوثَ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لِوُجُودِ الدَّمِ فِيهِ وَأَلْحَقَهُ سَحْنُونٌ بِمَا لَا نفس لَهُ وَألْحق أَبُو حنيفَة الْبَعُوضَ بِالْجَرَادِ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ فِيهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إِلَى أَصَالَةِ الدَّمِ أَوْ طُرُوِّهِ.
الثَّانِي: مِنَ الطَّرَّازِ إِذَا مَاتَ الْبُرْغُوثُ أَوِ الْقَمْلَةُ فِي الطَّعَامِ أَلْحَقَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ بِمَا لَهُ نَفْسٌ وَخَالَفَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا دَمٌ فَإِنْ كَانَ وَافَقَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ابْنَ الْقَصَّارِ فِي التَّنْجِيسِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ لَا يُؤْكَلُ طَعَامٌ مَاتَ فِيهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ عَيْشَهُمَا مِنْ دَمِ الْحَيَوَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى بِنَجَاسَةِ الْقَمْلَةِ لِكَوْنِهَا مِنَ الْإِنْسَانِ تُخْلَقُ بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ فَإِنَّهُ مِنَ التُّرَابِ وَلِأَنَّهُ وَثَّابٌ فَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَشْفٌ لِلنَّفْسِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ يُقَالُ لِذَاتِ الشَّيْءِ نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ وَلِلرُّوحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} وَلِلدَّمِ كَقَوْلِ ابْنِ دُرَيْدٍ:
خَيْرُ النُّفُوسِ السَّائِلَاتُ جَهْرَةً ** عَلَى ظُبَاةِ الْمُرْهَفَاتِ وَالْقَنَا

وَمِنْهُ سُمِّيَتِ النُّفَسَاءُ لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهَا.
فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ احْتِرَازٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَإِلَّا فَكُلُّ دَمٍ يَسِيلُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ حِينَئِذٍ.
الرَّابِعُ:
الْآدَمِيُّ إِذَا مَاتَ طَاهِر عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِغُسْلِهِ وَإِكْرَامِهِ يَأْبَى تَنْجِيسَهُ إِذْ لَا مَعْنَى لِغُسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ وَلِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا فَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ.
الْخَامِسُ:
الْكَلْبُ فِي الْجَوَاهِرِ أَطْلَقَ سَحْنُونٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ التَّنْجِيسَ وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ إِمَّا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا وَإِمَّا لِمُلَابَسَتِهِمَا النَّجَاسَةَ فَيُرْجَعُ إِلَى نَجَاسَةِ السُّؤْرِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُوَطَّأِ «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَتَخَرَّجُ فُرُوعُ الْمَذْهَبِ فَنَذْكُرُهَا فِي أَثْنَاءِ فقهه وَالْكَرم عَلَى أَلْفَاظِهِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ إِذَا وَلَغَ هَلْ يخْتَص بِالْمَاءِ علا بِالْغَالِبِ أَوْ يَعُمُّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ لِحُصُولِ السَّبَبِ فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ الْكَلْبُ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَنْهِيِّ عَنِ اتِّخَاذِهِ فَتَكُونَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوْ يَعُمُّ الْكِلَابَ لِعُمُومِ السَّبَبِ قَوْلَانِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْعُمُومِ فَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ جَمَاعَةُ كِلَابٍ أَوْ كَلْبٌ مِرَارًا هَلْ تَتَدَاخَلُ مُسَبَّبَاتُ الْأَسْبَابِ كَالْأَحْدَاثِ أَوْ يُغْسَلُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعًا وَلِلْكَلْبِ كَذَلِكَ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ فَلْيَغْسِلْهُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْوُجُوبِ قَوْلَانِ إِمَّا لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لَكِن هَهُنَا قَرَائِنُ صَرَفَتْهُ عَنْهُ وَإِمَّا لِلْخِلَافِ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ وَهَلْ هَذَا الْأَمْرُ تَعَبُّدٌ لِتَقْيِيدِهِ بِالْعَدَدِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَدَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَةِ الْحَيَوَانِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ هُوَ مُعَلَّلٌ بِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْكَلْبِ عَنْ بَنِي آدَمَ لِأَنَّ الْكَلْبَ فِي أول مُبَاشرَة الْمَاءِ يَعْلَقُ لُعَابُهُ بِالْإِنَاءِ وَهُوَ سُمٌّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ لِزَوَالِ اللُّزُوجَةِ الْحَامِلَةِ لِلسُّمِّ وَأَمَّا عدد لسبع فمناسب بِخُصُوصِيَّةٍ لِدَفْعِ السُّمُومِ وَالْأَسْقَامِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَرَضِهِ «أَهْرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لم تحلل أَو كيتهن» وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَة يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ» وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالرُّقَى سَبْعًا فِي قَوْلِهِ «أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا نَجِدُ» وَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ سَلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ هُوَ مُعَلَّلٌ بِنَجَاسَتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» وَالطَّهَارَةُ ظَاهِرَةٌ فِي النَّجَاسَةِ وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا هَلْ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ لَا يُغْسَلُ لِنَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ يُؤْكَلُ الطَّعَامُ أَوْ يُطْرَحُ قَوْلَانِ وَهَلْ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ عَلَى الْكَلْبِ لِأَنَّه تَعَبُّدٌ أَوْ يَلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ بِجَامِعِ الِاسْتِقْذَارِ قَوْلَانِ وَهَلْ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّه تَعَبُّدٌ وَالْعِبَادَاتُ لَا تُؤَخَّرُ أَوْ لَا يتعيين غسله إِلَّا عِنْد إِرَادَته اسْتِعْمَالَهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ؟ وَاخْتَارَ عَبْدُ الْحَقِّ وَسَنَدٌ التَّأْخِيرَ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ مِنَ الطَّرَّازِ الْأَوَّلُ الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ مُخْتَصٌّ بِالْإِنَاءِ فَلَوْ وَلَغَ من حَوْض أَو نهر لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَيْهِ لِأَنَّه تَعَبُّدٌ الثَّانِي الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِوُلُوغِهِ فَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رجله فَلَا أثر لذَلِك خلافًا ش الثَّالِثُ إِذَا اسْتُعْمِلَ الْإِنَاءُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ قَبْلَ غَسْلِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ أَوْ يُغْسَلُ سَبْعًا بَعْدَ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي غَسْلِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ لَا تُشْتَرَطُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُشْتَرَطَ قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي النَّضْحِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ فَإِنَّ الْغَسْلَ مِمَّا يُزِيلُ اللُّعَابَ وَالنَّضْحَ لَا يُزِيلُ شَيْئًا فَكَانَ تَعَبُّدًا بِخِلَافِ إِنَاءِ الْكَلْبِ الرَّابِعُ هَلْ يُشْتَرَطُ الدَّلْكُ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ لِجَامِعِ التَّعَبُّدِ بِهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ وَيَكْفِي إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِ؟ لَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُشْتَرَطَ لِأَنَّ غَسْلَهُ خَرَجَ عَنِ الْمُتَعَارَفِ وَإِمْرَارُ الْمَاءِ قَدْ يُسَمَّى غَسْلًا وَقَدْ قَدَّمْتُ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى الْعَادَةِ فِي الْكِتَابِ تَحْقِيقٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ كَانَ يُضَعِّفُهُ وَقَالَ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ مِنَ التَّنْبِيهَاتِ قِيلَ يَضْعُفُ الْعَمَلُ بِهِ تَقْدِيمًا لِلْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ أَكْلَ مَا أَمْسَكَ الْكِلَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ غَسْلًا وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقِيلَ يَضْعُفُ الْعَدَدُ وَقِيلَ إِيجَابُهُ لِلْغَسْلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ أَيْ مَا الْمُرَادُ بِهِ مِنَ الْحُكْمِ وَيُقَالُ وَلَغَ يَلَغُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا مِنَ الطَّرَّازِ يُضَعِّفُ عِلَّةَ الْحُكْمِ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ الْخِنْزِير.

.الْفَصْل الثَّانِي: فِي أَجزَاء الْحَيَوَان:

وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ لَحْمِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْعَظْمُ وَالْقَرْنُ وَالظِّلْفُ وَالسِّنُّ كَاللَّحْمِ لِحُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهَا وَانْحِصَارِ فَضَلَاتِهَا فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَكُونُ نَجِسَةً وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تَنْجَسُ بِالْمَوْتِ لِقِلَّةِ فَضَلَاتِهَا بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَهَلْ تَلْحَقُ أَطْرَافُ الْقُرُونِ وَالْأَظْلَافُ بِأُصُولِهَا أَوْ بِالشُّعُورِ لِعَدَمِ حُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهَا قَوْلَانِ وَالْأَصْوَافُ وَالْأَوْبَارُ وَالشُّعُورُ طَاهِرَةٌ قَالَهُ فِي الْكتاب وَوَافَقَهُ أَبُو حنيفَة وَتردد قَول الشَّافِعِي حُجَّتُنَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَتَكُونُ طَاهِرَةً بَعْدَهُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْكِتَابِ غَسْلَهَا لِأَنَّ الْجِلْدَ قَدْ يَعْرَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا نُتِفَ مِنْهَا فَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ وَفِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ خِلَافٌ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَشُعُورِ الْمَيْتَةِ وَمَذْهَبُ أَصْبَغَ أَنَّهُ كَالْمَيْتَةِ وَنَابُ الْفِيلِ نَجِسٌ لِتَعَذُّرِ ذَكَاةِ الْفِيلِ غَالِبًا فَيَكُونُ كَعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَقِيلَ طَاهِرٌ لِشَبَهِهِ بِالْقَرْنِ وَالْأَظْلَافِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ إِنْ صُلِقَ فَهُوَ طَاهِرٌ كَالْمَدْبُوغِ مِنَ الْجُلُودِ الْمَيِّتَةِ وَإِلَّا فَلَا وَشَعْرُ الرِّيشِ كَالصُّوفِ وَعَظْمُهُ إِنْ حَلَّ فِيهِ الدَّمُ كَالْعَظْمِ وَإِنْ لَمْ يَحُلَّ فِيهِ الدَّمُ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي طَرَفِ الْقَرْنِ وَالظِّلْفِ وَالْجِلْدُ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فِي تَطْهِيرِ الذَّكَاةِ لَهُ فِي السِّبَاعِ إِمَّا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَإِمَّا لِأَنَّ الدِّبَاغَ يَعْمَلُ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ دُونَ لَحْمِهَا فَكَانَ أَخَفَّ وَكُلُّ شَيْءٍ أُبِينَ عَنْ حَيٍّ مِمَّا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ فَهُوَ مَيِّتٌ لِأَنَّه عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يحتذون أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَأَلْيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ مَا أُبِينَ عَنِ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ.

.الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْحَيَوَانِ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ مَا لَيْسَ لَهُ مَقَرٌّ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ فَطَاهِرٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَقْبَلَهُمْ عَلَى فَرَسٍ عَرِيٍّ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ» وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ فَتَكُونُ أَجْزَاءُ الْحَيِّ طَاهِرَةً إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ وَالْمِسْكُ وَفَأْرَتُهُ طَاهِرَانِ لِأَنَّه عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَتَطَيَّبُ بِهِ.
وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ نَجِسٌ إِجْمَاعًا وَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ طَاهِرٌ على الْأَصَح بقوله تَعَالَى {أَو دَمًا مسفوحا} فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ مُبَاحُ الْأَكْلِ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَالْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِنَجَاسَةٍ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ لِصِحَّةِ صَلَاةِ حَامِلِ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ كَمَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ صَلَّى بِصَبِيٍّ وَلَوْ حَمَلَ الْإِنْسَانُ عُصْفُورًا وَصَلَّى بِهِ لَمْ أَعْلَمْ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خِلَافًا وَالدِّمَاءُ كُلُّهَا سَوَاءٌ حَتَّى دَمُ الْحِيتَانِ طَرْدًا لِلْعِلَّةِ وَخَصَّصَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ ذَكَاتَهُ وَلِمَالِكٍ فِي دَمِ الذُّبَابِ وَالْقُرَادِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ وَعَفَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَرَّةً عَنْ يَسِيرِ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ كَيَسِيرِ الدَّمِ وَأَلْحَقَهُ مَرَّةً بِالْبَوْلِ لِمَزِيدِ اسْتِقْذَارِهِ عَلَى الدَّمِ وَفِي الطَّرَّازِ الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ طَاهِرَانِ إِنْ خَرَجَا عَلَى هَيْئَةِ طَعَامٍ وَالْمَعِدَةُ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ وَالْبَلْغَمُ وَالصَّفْرَاءُ وَمَرَائِرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ نَجِسَانِ فَإِذَا خَالَطَ الْقَيْءُ أَوِ الْقَلْسُ أَحَدَهُمَا أَوْ عَذِرَةً تَنْقَلِبُ إِلَى جِهَةِ الْمَعِدَةِ تَنَجَّسَ وَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ نَجِسَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ إِلَّا مِمَّنْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَقِيلَ ذَلِكَ فِي الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى لِأَنَّه تَمِيلُ النُّفُوسُ إِلَيْهِ فَيُحْمَلُ بِخِلَافِهَا وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَهُوَ نَجِسٌ إِجْمَاعًا وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالنَّضْحُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى إِتْبَاعِهِ بِالْمَاءِ وَهُوَ طَرِيٌّ فَذَهَبَتْ أَجْزَاءُ الْمَاءِ بِأَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّطْهِيرِ مِنَ التَّبْصِرَةِ وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَةِ ثُفْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَا فِي الْجَوَاهِرِ وَهُمَا طَاهِرَانِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مُبَاحِ الْأَكْلِ مَكْرُوهَانِ من الْمَكْرُوهِ نَجِسَانِ مِنَ الْمُحَرَّمِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ «قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَنَةَ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِلِقَاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَن يشْربُوا من أبوالهم وَأَلْبَانِهَا» الْحَدِيثَ مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إِنِ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» وَالْمُرَادُ بِالْجَعْلِ الْمَشْرُوعِيَّةُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَتِهَا وَإِلَّا لَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ غِذَاءَ الْمُبَاحِ طَاهِرٌ وَأَمْعَاءَهُ طَاهِرَةٌ وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَتَغَيُّرُ الطَّاهِرِ فِي الطَّاهِرِ لَا يُنَجِّسُهُ كَالْمُتَغَيِّرِ فِي الْآنِيَةِ وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَتَخْتَلِطُ رُطُوبَاتُ الْأَمْعَاءِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ نَجِسَةٌ فَيُنَجَّسُ الطَّعَامُ وَقد ظهر بذلك الْمَكْرُوه وَقيل هما نَجِسَانِ مِنَ الْجَمِيعِ طَرْدًا لِعِلَّةِ الِاسْتِقْذَارِ وَفَرَّقَ لِلْمَشْهُورِ بِأَنَّ الِاسْتِقْذَارَ فِي الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ أَتَمُّ مِنْهُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَالْقَاصِرُ عَنْ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ لَا يَلْحَقُ بِهِ فَلَا يُنَجِّسُ أَرْوَاثَ الْمَأْكُولِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَذْيُ وَكُلُّ رُطُوبَةٍ أَوْ بَلَلٍ يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ وَمِنْهُ الْمَنِيُّ خِلَافًا ش إِمَّا لِأَنَّ أَصْلَهُ دَمٌ أَوْ لِمُرُورِهِ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ طَهَارَةُ مَنِيِّ مَا بَوْلُهُ طَاهِرٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَقَدْ وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَضَلَاتِ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ أَصْلُهُ نَجِسًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عِلَّةُ التَّنْجِيسِ الِاسْتِقْذَارُ بِشَرْطِ الِانْفِصَالِ وَقَدْ حَصَلَتِ الْعِلَّةُ بِشَرْطِهَا فَيَتَعَيَّنُ التَّنْجِيسُ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ وَمِنْهُ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ ضَيْفًا بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَقَالَتْ لَهُ إِنَّمَا كَانَ يَجْزِيكَ إِنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ وَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرْكًا فَيُصَلِّي وَالْأَلْبَانُ طَاهِرَةٌ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَكَذَلِكَ لَبَنُ بَنَاتِ آدَمَ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لِحُرْمَتِهِنَّ وَلِأَنَّ الرَّضَاعَ جَائِزٌ وَبعد انْقِضَاءِ زَمَنِ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَمُنِعَ وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ وَمَا عَدَا ذَلِك فمختلف فِيهِ فَقيل طَاهِر قياسيا عَلَى لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ وَلِبُعْدِ الِاسْتِحَالَةِ وَضَعْفِ الِاسْتِقْذَارِ وَقِيلَ تَابِعَةٌ لِلُّحُومِ لِأَنَّهَا فَضَلَاتُهَا وَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ مِنَ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ وَالْبَيْضُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا لِأَنَّه مِنَ الطَّيْرِ وَهُوَ طَاهِرٌ.«نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» قَاعِدَةٌ تُبَيِّنَ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا حَكَمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي أَجْسَامٍ مَخْصُوصَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِأَعْرَاضٍ مَخْصُوصَةٍ مُسْتَقْذَرَةٍ وَإِلَّا فَالْأَجْسَامُ كُلُّهَا مُتَمَاثِلَةٌ وَاخْتِلَافُهَا إِنَّمَا وَقَعَ بِالْأَعْرَاضِ فَإِذَا ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَعْرَاضُ ذَهَابًا كُلِّيًّا ارْتَفَعَ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ إِجْمَاعًا كَالدَّمِ يَصِيرُ مَنِيًّا ثُمَّ آدَمِيًّا وَإِنِ انْتَقَلَتْ تِلْكَ الْأَعْرَاضُ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ اسْتِقْذَارًا مِنْهَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَالدَّمِ يَصِيرُ قَيْحًا أَوْ دَمَ حَيْضٍ أَوْ مَيْتَةً وَإِنِ انْتَقَلَتْ إِلَى أَعْرَاضٍ أَخَفَّ مِنْهَا فِي الِاسْتِقْذَارِ فَهَلْ يُقَالُ هَذِهِ الصُّورَةُ قَاصِرَةٌ عَنْ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فِي الْعِلَّةِ فَيَقْصُرُ عَنْهَا فِي الْحُكْمِ أَوْ يُلَاحَظُ أَصْلُ الْعِلَّةِ لَا كَمَالُهَا فَيُسَوَّى بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ؟ هَذَا مَوْضِعُ النَّظَرِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْفُرُوع الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بَيْنَ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ إِلَى الْخَلِّ قَضَوْا فِيهِ بِالطَّهَارَةِ وَبَيْنَ اسْتِحَالَةِ الْعِظَامِ النَّجِسَةِ إِلَى الرَّمَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ الِاسْتِقْذَارِ وَعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ الْقَائِلِ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ سَبَبَ تَنْجِيسِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مُلَاقَاتُهُ لِلنَّجَاسَةِ فَمَا مِنْ مَاءٍ يَصِلُ إِلَى الْمَحَلِّ إِلَّا وَيَتَنَجَّسُ وَالثَّانِي يَتَنَجَّسُ بِالْأَوَّلِ وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى لَوْ فُرِضَ صَبُّ الْمَاءِ مِنْ أَعْلَى جَبَلٍ بِإِبْرِيقٍ نَجُسَ مَا فِي الْإِبْرِيقِ فَوْقَ الْجَبَلِ بِالنَّجَاسَةِ الْكَائِنَةِ أَسْفَلَهُ بِسَبَبِ مُلَاقَاةِ كُلِّ جُزْءٍ لِجُزْءٍ تَنَجَّسَ قَبْلَهُ بِأَنْ تُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَعْرَاضَ الْمَخْصُوصَةَ الْمُسْتَقْذَرَةَ الَّتِي حَكَمَ الشَّرْعُ لِأَجْلِهَا بِالنَّجَاسَةِ مَنْفِيَّةٌ بِالضَّرُورَةِ فِيمَا بَعُدَ عَنِ النَّجَاسَةِ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا.